قرار بحجم الوطن… فخامة رئيس الجمهورية ،، يرسخ قواعد الشفافية والمساءلة في الإدارة العمومية

بواسطة ezzein

د. مني الصيام أستاذة جامعية

تُعد الشفافية والمساءلة من أهم الركائز التي تقوم عليها الإدارة الرشيدة في الدول الحديثة، حيث تمثلان آليتين حاسمتين لضمان فعالية المؤسسات وتحقيق العدالة بين المواطنين. وفي هذا السياق، يكتسب القرار الذي اتخذه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني أهمية خاصة، لكونه يعكس تحولاً في نمط الحكم نحو ترسيخ دولة القانون، ويؤشر على إرادة سياسية حقيقية لتجسيد الإصلاح الإداري والمالي في موريتانيا.

ترتبط مفاهيم الشفافية والمساءلة بمبادئ الحكم الرشيد، وهي تعني أولاً إتاحة المعلومات والمعطيات الإدارية والمالية أمام الجهات الرقابية والجمهور، وثانيًا محاسبة المسؤولين عن أفعالهم وقراراتهم بناءً على معايير قانونية وأخلاقية واضحة. وقد أظهرت أدبيات الحوكمة أن هذه المبادئ تؤدي إلى تحسين جودة الخدمات العمومية، والحد من الفساد، وتعزيز ثقة المواطن في الدولة.

يمثل القرار الرئاسي الأخير نموذجًا عمليًا لترجمة التقارير الرقابية إلى إجراءات تنفيذية ملموسة، وهو ما لم يكن مألوفًا في الممارسات الإدارية السابقة في موريتانيا، حيث كثيرًا ما كانت التقارير تُهمّش أو تُؤجل لأسباب سياسية أو إدارية.
ويُبرز القرار أهمية ربط آليات التفتيش والمراجعة الداخلية بنتائج حقيقية تشمل المحاسبة الإدارية، وربما حتى القضائية، للمقصرين في أداء واجباتهم. ومن الناحية المنهجية، يعد هذا التحول بمثابة خطوة نحو تفعيل آلية “النتائج مقابل الأداء” في تسيير المرافق العمومية.
الأثر المؤسسي والاجتماعي للقرار
• على المستوى المؤسسي: يعزز القرار من هيبة الدولة، ويعيد الاعتبار لوظيفة الرقابة والتفتيش، ما يساهم في تقوية بنية المؤسسات الإدارية، ورفع كفاءتها.
• على المستوى الاجتماعي: يؤدي القرار إلى استعادة ثقة المواطن في الإدارة، لا سيما حين يرى أن العدالة تُطبَّق، وأن المحاسبة لا تميز بين الأفراد، بل تخضع لمعايير مهنية وقانونية.

وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن القرار الرئاسي لا يُمثّل مجرد تصرف إداري معزول، بل يعكس رؤية إصلاحية شاملة تسعى إلى بناء إدارة عمومية فاعلة ونزيهة، قائمة على الشفافية والمساءلة. كما يُجسد تحولًا نوعيًا في العلاقة بين الدولة والمواطن، يكون فيه القانون هو الفيصل، والكفاءة هي معيار التقدير.

وتظل هذه الخطوة بحاجة إلى مواكبة تشريعية ومؤسسية لضمان استدامتها، من خلال تحديث القوانين، وتعزيز استقلالية هيئات الرقابة، وضمان حماية المبلّغين، بما يُرسخ نهج الحكم الرشيد ويُسهم في تجديد الدولة ومؤسساتها.

د. مني الصيام 
استاذة جامعية