تصدع داخل الثنائي الحاكم في السنغال.. جذور الصراع بين ديومي فاي وسونكو تطفو إلى السطح

بواسطة ezzein

الرئيس السنغالي بشيرو دوماي فاي

التيار (داكـار) - تشهد الساحة السياسية السنغالية منذ أسابيع تصاعدا لافتا في منسوب التوتر داخل رأس السلطة التنفيذية، بعد أن طفت على السطح خلافات حادة بين الرئيس بشيرو ديوماي فاي ورئيس وزرائه عثمان سونكو، في مشهد غير مسبوق داخل التجربة السياسية الحديثة لحركة «باستيف» التي حملت الرجلين إلى السلطة عبر موجة شعبية وصفت بأنها الأقوى في البلاد خلال الفترة الأخيرة.

تؤكد المعطيات المتقاطعة أن الأزمة الحالية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكمات بدأت منذ تسلم الرجلين للسلطة، وظلت تتفاعل بصمت قبل أن تنفجر علنا خلال الفترة الأخيرة.

بداية المسار..

شكل التعاون بين ديوماي فاي وسونكو أحد أهم عوامل نجاح الانتقال السياسي الذي أعقب الانتخابات. وبدا الرجلان لفترة طويلة كتوأم سياسي يتقاسم الرؤية ذاتها حول الإصلاح ومواجهة النفوذ القديم للدولة العميقة، غير أن الديناميات الداخلية للحكم، وتوازنات القوة داخل «باستيف»، والضغوط المتزايدة من القواعد الشعبية، كلها عوامل ساهمت في إحداث شرخ تدريجي في العلاقة.

ووفق مصادر متطابقة، فقد بدأت بذور الخلاف مع أولى الخطوات التي اتخذها الرئيس فاي لتوسيع دائرة القرار داخل الحكومة، وهو ما اعتبره سونكو، وفق مقربين منه، تقليصا لنفوذه الطبيعي في رسم السياسات الحكومية، خاصة أنه ينظر إليه داخل الحزب بوصفه صاحب الثقل السياسي الأكبر.

البداية الفعلية للخلاف..

تعود المرحلة الأولى من الاحتقان إلى يوليو الماضي حين أدلى رئيس الوزراء بتصريحات وصفت في حينها بأنها «قوية وغير منسقة»، ما استدعى عقد اجتماع مصالحة داخل القصر الرئاسي حضره قياديون بارزون في «باستيف» مثل أيوب داف، المالك نداي، نغان ديمبا توري وآخرين.

وخلال هذا الاجتماع، كشفت مصادر مطلعة أن سونكو أبلغ الرئيس بأن حل ائتلاف «ديومي رئيسا» كان قرارا اتخذه هو شخصيا.

ووفق ذات المصادر أثار هذا التصريح استياء الرئيس فاي، الذي رد بأن إعادة الهيكلة السياسية ليست خارج قدراته ولا صلاحياته، وهو ما شكل أول مؤشر على تحول العلاقة من تنسيق كامل إلى صراع ضمني على إدارة التحالف.

وقد دفع هذا الموقف الرئيس ديومي فاي إلى الإمساك مجددا بزمام ائتلافه السياسي، في خطوة اعتبرها مراقبون بداية انتقال السلطة الفعلية داخل التحالف من القيادة الحزبية إلى المؤسسة الرئاسية.

محاولات إعادة ترتيب النفوذ..

في المقابل، تشير المعطيات إلى أن سونكو تحرك من جانبه لإعادة ترميم نفوذه داخل الائتلاف، حيث طلب من أيوب داف الحصول على قوائم أعضاء ائتلاف «ديومي رئيسا» من عايدة مبوج، والتواصل مع بعضهم، في خطوة رآها البعض محاولة لإعادة الإمساك بخيوط تنظيم المشهد.

هذا التحرك تزامن مع تزايد شعور داخل الحزب بأن العلاقات بين القطبين تتجه نحو مزيد من التباعد، خاصة مع تصاعد الخلافات حول من يمتلك حق المبادرة في المسائل التنظيمية الكبرى.

الشرارة التي سبقت الانفجار..

قبل تنظيم المهرجان السياسي الأضخم لسونكو «تيرا ميتينغ»، منذ تسلمه مفاتيح الوزارة الأولى، دخل الخلاف مرحلة جديدة، إذ أبلغ سونكو الرئيس فاي بأن «باستيف» قرر الانسحاب من الائتلاف، مبررا ذلك بأن بعض الأطراف داخل التحالف تعمل على تغذية الانقسام، إلا أن الرئيس رد بشكل مباشر بأنه يأخذ علما بالقرار، لكنه ذكره في الوقت ذاته بأنه سبق له إعلان حل الائتلاف، متسائلا: كيف ينسحب حزب من ائتلاف سبق إعلان حله؟

هذه الحادثة أعادت الخلاف إلى نقطة الصفر، لكنها كشفت في الوقت ذاته عن تباين عميق في كيفية فهم الطرفين لمستقبل التحالف السياسي.

الخلاف إلى العلن..

شكّلت تصريحات سونكو خلال «تيرا ميتينغ» منعطفا مفصليا، إذ تناول الزعيم الحزبي وضع ائتلاف «ديومي رئيسا» دون أي تنسيق مسبق مع الرئيس، وتحولت تلك المناسبة التي شهدت حضورا جماهيريا ضخما إلى منصة ضغط أراد من خلالها سونكو، حسب مصادر قريبة من الدائرة الرئاسية، إرسال رسالة قوة داخلية وإعادة تثبيت صورته كزعيم مركزي داخل المشهد السياسي.

غير أن هذه التصريحات فهمت داخل القصر على أنها تجاوز لحدود الوظيفة الحكومية، وخرق لخطوط التواصل المتفق عليها بين الرئيس ورئيس وزرائه، وهو ما أدى إلى تفاقم التوتر بشكل غير مسبوق.

تعمق الاستغراب داخل الحزب بعد أن تبين أن سونكو، في اجتماع المكتب السياسي يوم 24 أكتوبر 2025، أكد أنه لا يهتم شخصيا بملف الائتلاف وأن تركيزه منصب على الحزب فقط، هذا التناقض بين موقفه داخل الأجهزة الحزبية وتحركاته العلنية في "تيرا ميتينغ" أثار تساؤلات واسعة حول دوافعه الحقيقية، وهل يسعى إلى إعادة تشكيل ميزان القوى داخل التحالف أم إلى بناء مسار سياسي مستقل عن الرئاسة؟

يرى محللون أن ما يجري اليوم لا يمكن اختزاله في خلاف شخصي، بل هو انعكاس لصراع أكبر حول طبيعة السلطة في المرحلة الجديدة، فالرئيس ديومي فاي يسعى إلى ترسيخ نموذج رئاسي قوي يشبه هندسة الدولة الحديثة، بينما لا يزال سونكو بحكم خلفيته النضالية وقاعدته الجماهيرية، يميل إلى توزيع السلطة داخل التحالف وإبقاء مركز الثقل داخل «باستيف».

كما أن نجاح الرئيس فاي في تثبيت قدرته على ضبط التحالف سيفتح الباب أمام إعادة هيكلة واسعة قد تقلل من نفوذ مراكز القرار التقليدية داخل الحزب، في حين يخشى تيار سونكو أن يؤدي ذلك إلى تقليص دوره كزعيم سياسي ذي تأثير واسع.

يرى مراقبون أن أزمة الحكم الراهنة تشكل اختبارا حقيقيا لوحدة الأغلبية الحاكمة في السنغال، فالتوتر بين الرجلين يحمل في طياته احتمالات متعددة، إما الوصول إلى تسوية تعيد ترتيب الأدوار داخل الائتلاف، أو انزلاق الأمور نحو قطيعة سياسية تضعف تجربة الحكم الجديدة، وتفتح الباب أمام إعادة اصطفاف سياسي واسع.

ويبقى مستقبل العلاقة بين ديومي فاي وسونكو رهينا بقدرة الطرفين على إدارة خلافاتهما في إطار مؤسساتي، بعيدا عن منطق استعراض القوة أو الضغط السجالي، أما استمرار التصعيد، فقد يضع التجربة السياسية الوليدة أمام تحديات غير مسبوقة، وقد تعصف بالتجربة الديمقراطية في البلاد.