التيار (أبيدجان) - عشية الانتخابات الرئاسية، التي تشهدها البلاد غدا السبت، شهدت العاصمة الاقتصادية لكوت ديفوار، أبيدجان، أجواء من الترقب والقلق غير المسبوق، حيث قامت المحلات الكبرى، ذات الواجهات الزجاجية، بسحب بضائعها إلى مخازن آمنة، بينما أغلق بعضها أبوابه بالكامل.
في بعض الأحياء التجارية، لجأت المحلات إلى بناء جدران إسمنتية على واجهاتها كإجراء احترازي، في مؤشر على تخوف التجار من أي اضطرابات محتملة قد تصاحب يوم الاقتراع.
الشوارع الضيقة والأزقة الداخلية للمدينة شهدت هدوءا نسبيا، مع وقوع مناوشات محدودة بين الأجهزة الأمنية وعدد من الشباب المعارض، في أجواء متوترة وسط مراقبة مشددة للقوى الأمنية.
السلطات الإفوارية فرضت حظر تجول مشدد في العاصمة السياسية يامسوكرو مساء اليوم ابتداء من العاشرة إلى السادسة صباحا، في إطار ما أسمته فرض جو من الهدوء، لضمان عملية انتخابية سلسة ومنع أي تجاوزات، بينما كثفت الدوريات الأمنية من تواجدها في مختلف المناطق الحيوية.
الرئيس المنتهية ولايته، الحسن واتارا، يسعى للفوز بفترة رئاسية رابعة، بعد أن تولى السلطة في أبريل 2011 في ظل أزمة خلفت نحو ثلاثة آلاف قتيل، ووضعت تحديات كبيرة أمام إعادة بناء الدولة وتقوية الاقتصاد.
خلال ولاياته الثلاث، تم تأسيس عدد من المؤسسات الوطنية لتعزيز حكم القانون والشفافية، من بينها مجلس الدولة، ومجلس الشيوخ، وديوان المحاسبة، والهيئة العليا للحوكمة، إلى جانب هيئات قضائية لمكافحة الفساد واسترجاع الأموال العامة.
على الرغم من هذه الإصلاحات، يشير بعض المعارضين إلى أن جهود المصالحة الوطنية ما زالت ناقصة، وأن المشاريع التي تبنتها لجنة "الحوار، والمصالحة" بقيت محدودة ولم تلب كافة التطلعات.
حزب التجمع الديمقراطي الحاكم (RHDP) يظهر كقوة مهيمنة في المشهد السياسي، بعد أن فاز بأغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية والمحلية، مستفيدا من تحالفات شملت شخصيات كانت في صفوف المعارضة.
في المقابل، تواجه العملية الانتخابية تحديات كبيرة مرتبطة بعدم ثقة المعارضة في حيادية لجنة الانتخابات المستقلة، واتهامات متكررة بتسييس القضاء وصعوبة ضمان تمثيل جميع القوى السياسية على نحو متوازن في المؤسسات التشريعية.
مسؤولون حكوميون يؤكدون على احترام مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء، ويعتبرون أن ما يثار حول عدم الثقة السياسي مبالغ فيه، داعين إلى تجاوز هذه الأجواء والسماح للعملية الديمقراطية بالاستمرار ضمن أطر قانونية واضحة، حفاظا على استقرار البلاد وسير الانتخابات بسلاسة.
الانتخابات تعرف منافسة محدودة نسبيا، إذ يواجه الرئيس واتارا، بعد إقصاء أبرز المعارضين من الترشح، عدة مرشحين، أبرزهم باسكال آفي نغيسان، رئيس حزب الجبهة الشعبية الإيفوارية، الذي يشكك في نزاهة العملية الانتخابية.
آفي نغيسان دعا أنصاره إلى اليقظة والمشاركة المكثفة، معربا عن قلقه من هيمنة الحزب الحاكم على مؤسسات الدولة.
بينما تمثل سيمون غباغبو، السياسية المعروفة وزوجة الرئيس السابق لوران غباغبو، تيارا معارضا آخر، حيث تطالب بمراجعة شاملة لملفات المصالحة الوطنية وإعادة النظر في سياسات العدالة الانتقالية، دعمها الشعبي محدود نسبيا مقارنة بالحزب الحاكم، لكنه يعكس استمرار المطالب بمحاربة الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة للمجتمعات المتضررة من الأزمات السابقة.
وتعكس هذه الانتخابات الرئاسية استمرار تحديات كوت ديفوار في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي بعد الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد، وأودت بحياة آلاف الأشخاص وأثرت على النسيج الاقتصادي والاجتماعي.
وعلى الرغم من جهود الرئيس الحسن واتارا بعد تسلمه السلطة 2011، في تعزيز المؤسسات وإعادة إطلاق الاقتصاد، لا تزال المخاوف من العنف السياسي والتوتر بين القوى الحكومية والمعارضة قائمة، فيما يسعى المواطنون والتجار إلى حماية مصالحهم وسط أجواء من الحذر الشديد وغياب الثقة التامة في العملية الانتخابية، مما يجعل الانتخابات الحالية اختبارا حقيقيا لنضوج الديمقراطية واستقرار الدولة.



