التيار (نواكشوط) ـ تتجه الأنظار، يوم غد الخميس، نحو العاصمة الإيفوارية أبيدجان، حيث تنعقد انتخابات رئاسة البنك الإفريقي للتنمية (BAD)، في موعد يتوقع أن يكون مفصليطا بالنسبة لآلية الاختيار، لمستقبل المؤسسة التنموية الأهم في القارة.
فهذه الانتخابات بالنسبة للمراقبين، لا تقتصر على المفاضلة بين البرامج أو الكفاءات، بل تعكس ــ في عمقها ــ توازنات دقيقة بين مصالح الدول الكبرى، سواء داخل القارة أو خارجها، مما يجعل من حظوظ المرشحين مرآة لمواقع دولهم في هذه الخارطة المعقدة.
يتنافس خمسة مرشحين على المنصب، وسط معادلة انتخابية تتطلب "أغلبية مزدوجة" تشمل غالبية الدول الأعضاء البالغ عددها 81، بالإضافة إلى غالبية داخل الدول الإفريقية الـ 54.
وتعد هذه القاعدة عامل تصفية أول، يعزز من أهمية التكتلات الإقليمية والتفاهمات خلف الكواليس.
تشير أرقام رأس المال إلى أن نيجيريا (8.68%)، الولايات المتحدة (6.52%)، مصر (6.12%)، اليابان (5.44%)، والجزائر (5.05%)، إضافة إلى جنوب أفريقيا، والمغرب، وألمانيا، وكندا وكوت ديفوار، تشكل أكثر من نصف القوة التصويتية داخل البنك.
هذا الواقع يجعل من هذه الدول "صناع قرار" غير رسميين في اختيار الرئيس الجديد، رغم أن قاعدة "صوت لكل دولة" تظل قائمة رسميا.
المرشح الموريتاني.. فرصة في قلب التوازن
في هذا السياق المعقد، يبرز ترشح موريتانيا بصفته رهانا على الحضور الوازن لدولة تعتبر تاريخيا خارج دائرة التنافس على المنصب الأهم من الناحية الاقتصادية في القارة السمراء، لكنها اكتسبت في السنوات الأخيرة رصيدا من التقدير داخل المؤسسات الإفريقية، بفضل مايصفه المراقبون، بمواقفها المتوازنة، وانخراطها المتزايد في ملفات الساحل والاستقرار الإقليمي.
ورغم أن موريتانيا لا تملك ثقلا تصويتيا كبيرا، إلا أن مرشحها يعول على دعم "الوسط المتردد"، خاصة من الدول غير المصنفة ضمن التكتلات الكبرى، كما يراهن على شبكة علاقات متراكمة مع دول في غرب ووسط إفريقيا، ويقدم نفسه باعتباره صوتا للحياد المهني والرؤية التنموية النقية من الاستقطابات السياسية.
وبحسب مصادر رسمية موريتانية، فإن الحملة الدبلوماسية التي خاضتها البلاد، برعاية من أعلى هرم في الدولة، نجحت في إيصال رسالة واضحة إلى العديد من العواصم الإفريقية، تقوم على ضرورة استعادة الطابع الإفريقي للمؤسسة، بعيدا عن الضغوط الخارجية.
ويعزز هذا التوجه تعاظم الحديث داخل القارة عن "استقلال القرار التنموي" وضرورة تقليص تبعية السياسات الاقتصادية لإملاءات الجهات المانحة غير الإفريقية.
منافسة بين مشاريع سياسية أكثر من برامج اقتصادية
يمثل المرشحون، في جانب منهم، أجنحة مختلفة من التأثير الدولي داخل القارة، فبين من يحظى بدعم فرنسا أو الولايات المتحدة، ومن ينتمي إلى فضاء النفوذ التقليدي داخل القارة، وتبدو هذه المعركة الانتخابية، انعكاسا لصراع خفي بين الدول المتنافسة على إبراز مكانتها في القارة، ومستوى انفتاحها على أصحاب الأجندات الأكثر فاعلية وتحكما في كواليس القارة الأفريقية.
وفي هذا الإطار، يطرح ترشح موريتانيا نفسه كاختبار لقدرة الدول "متوسطة التأثير" من الناحية الاقتصادية تاريخيا، على كسر احتكار الدول الكبرى للقرار، وفرض مرشحين يعبرون عن روح التكامل الإفريقي، وليس عن مصالح الجهات الممولة.
ومهما تكن نتيجة هذا الاقتراع، فإن الرسائل السياسية التي يبعثها لا تقل أهمية عن شخص الفائز.
فنجاح مرشح موريتانيا الدكتور سيدي ولد التاه من شأنه أن يفتح صفحة جديدة في علاقة الدول الأعضاء بمؤسساتها، أما فوز مرشح مدعوم بوضوح من قوى خارجية، فسيؤكد استمرار واقع التبعية غير المعلنة في ملفات التمويل والتنمية.
وفي انتظار ما ستفرج عنه صناديق الاقتراع غدا، يبقى السؤال معلقا: هل ينجح التوافق الإفريقي – إن حصل – في فرز قيادة تنموية تعبر عن طموحات القارة، أم أن الاعتبارات الجيوسياسية ستواصل التحكم في دفة واحدة من أهم مؤسسات القارة؟