التيار (نواكشوط) - قالت مجموعة "اجماعة أدباي" إن الحوار الوطني المنتظر يشكل لحظة فارقة في تاريخ البلاد، وفرصة نادرة لمعالجة الاختلالات البنيوية التي تطبع المشهد الوطني، وخاصة ما يتعلق منها بقضية مكون لحراطين، الذي يعد أحد أبرز المكونات الفاعلة في النسيج الاجتماعي الموريتاني، لكنه ظل منذ انطلاقة المسار الديمقراطي بعيدا عن مراكز التأثير وصنع القرار، باستثناء تجربة محدودة في عهد الرئيس الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، أتاحت إصدار قوانين تجرم الرق ومنحت الحزب المتحالف حينها بعض المناصب الوزارية ورئاسة البرلمان، دون أن يترجم ذلك إلى تحول بنيوي دائم في تمثيل المكون.
وأكدت المجموعة، في إحاطة نشرت عبر منصتها، أن الحوار يمثل السبيل الأوحد لمعالجة القضايا الوطنية الكبرى، إذ يتيح لكل المكونات أن تجلس على طاولة واحدة لتناقش حاضرها ومستقبلها، وتبحث بشكل جاد عن سبل تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة.
وشددت على أن الإنصاف الحقيقي للحراطين لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل دولة جمهورية قوية، تتأسس على قيم المواطنة والعدالة، وتدار من خلال مؤسسات تقطع مع الأنماط التقليدية للتمييز القائم على الانتماء القبلي أو الجهوي أو الفئوي، وتكفل لجميع المواطنين نفس الحقوق والواجبات.
وقد تناولت مجموعة "اجماعة أدباي" موضوع الحوار الوطني من خلال نقاش واسع شارك فيه 275 شخصا من نخبة أبناء لحراطين في مختلف ولايات الوطن، بينهم سياسيون وحقوقيون ورؤساء أحزاب وشخصيات من المجتمع المدني، ركزوا على ضرورة أن يكون هذا الحوار فرصة حقيقية لتثبيت حقوق لحراطين وإشراكهم الفعلي في بناء الجمهورية، عبر التمثيل العادل في مراكز القرار وإزالة الحواجز التي تعيق ولوجه إلى مفاصل الدولة.
وشدد المشاركون على أهمية توحيد الصفوف داخل المكون وتجاوز التباينات، معتبرين أن وحدة الخطاب تمثل الشرط الأول لتحقيق أي إنجاز ملموس خلال المرحلة المقبلة، سواء من خلال هذا الحوار أو من خلال ما قد يتمخض عنه من إصلاحات سياسية ومؤسسية.
وطالب المتدخلون بأن تشمل مخرجات الحوار سياسات واضحة لإعادة الاعتبار للمكون في مختلف المجالات، من خلال إجراءات عملية مثل مراجعة التقسيم الإداري بما يضمن تقريب الإدارة من مناطق لحراطين وتجمعات "آدوابة"، وتحقيق الدمج الاقتصادي والاجتماعي، وفتح المجال للترقي داخل الأسلاك العسكرية والأمنية والإدارية، فضلا عن تمكينهم من الولوج إلى مجالات المال والأعمال، وتوفير الخدمات الأساسية في مجالات التعليم والصحة والمياه الصالحة للشرب والكهرباء وفك العزلة، كما دعوا إلى تقديم ضمانات ملموسة لتنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه خلال الحوار، عبر آليات واضحة تضمن المتابعة والتقييم، والابتعاد عن الأساليب التي أدت في السابق إلى الالتفاف على تعهدات الدولة تجاه بعض المكونات.
وأكدت "اجماعة أدباي" أن الحوار الوطني لا يمكن أن يحقق أهدافه دون تهيئة الأرضية الداخلية لذلك، داعية إلى تنظيم حوار خاص بين أبناء المكون أنفسهم لتقريب الرؤى وتوحيد المواقف، وتقديم خارطة طريق متكاملة تعكس تطلعاتهم وتضع أسسا واضحة لبناء دولة تحتضن الجميع وتنهض على مبادئ الإنصاف والعدل.
وحذرت من المخاطر المحدقة بالبلاد نتيجة سوء التسيير وتفشي الزبونية، حيث أصبحت الولاءات الضيقة هي المحدد الأول في التعيينات والترقيات، الأمر الذي يهدد تماسك الدولة ويقوض فرص الإصلاح الحقيقي.
وشددت المجموعة على ضرورة التمسك بالمطالب العادلة التي تعبر عن آمال ومشاغل لحراطين، داعية كل القوى السياسية والمدنية إلى عدم التهاون في الدفاع عنها، كما طالبت بتكثيف جهود التوعية بأهمية الحوار في بناء مستقبل تشاركي، يكون فيه الجميع شركاء لا تابعين، مؤكدة أن التغيير لن يتحقق ما لم يتم تجاوز الحسابات الفردية لصالح مشروع وطني جامع يعيد الاعتبار للمهمشين ويؤسس لجمهورية جديدة قوامها المواطنة والعدالة والمساواة.