التيار (أبيدجان) - عقب استقلال أنغولا سنة 1975، دخلت البلاد في نزاع دموي بين حزب الـMPLA الحاكم، المدعوم من الكتلة الشرقية، وحركة UNITA التي قادها يوناس سافيمبي، والذي قدم نفسه كزعيم تحرري من نظام الحزب الواحد.
بالمقابل، ظهرت شخصية كورنيي نغانغا في الكونغو الديمقراطية في سياق سياسي هش، بعد انتخابات متنازع على نتائجها قاد فيها لجنة الانتخابات، ليخرج في 2023 ويعلن عن تحالف مسلح ضد النظام القائم في كينشاسا، متهما إياه بالإقصاء والفساد.
كلا الزعيمين تبنى خطابا يركز على التهميش الاجتماعي والسياسي لمكونات سكانية محددة، فسافيمبي تحدث عن تهميش قبائل "الأوفيمبوندو" في جنوب أنغولا، بينما استند نغانغا إلى تهميش مجموعات مثل البانيامولينغي في شمال شرق الكونغو، ضمن خطاب قومي يرتكز على إعادة توزيع السلطة والثروة.
ورغم حديثهما عن "الوطنية"، لعب كل من سافيمبي ونغانغا على الوتر الإثني لتبرير تمردهما، الأمر الذي غذى الانقسامات الداخلية، وأضعف مسار التماسك الوطني في بلديهما، وجعل النزاعات تتخذ طابعا قبليا، وعرقيا، أكثر من كونها سياسية خالصة.
كان سافيمبي حليفا بارزا للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، إذ اعتبر أداة لمواجهة النفوذ السوفييتي والكوبي في إفريقيا الجنوبية.
أما نغانغا، فقد اتهم بالارتباط بأجندات إقليمية وغربية تهدف إلى الضغط على نظام تشيسيكيدي، في ظل تنافس بين الصين والغرب على ثروات الكونغو المعدنية.
دعمت جنوب إفريقيا (إبان الفصل العنصري) وأطراف أفريقية أخرى حركة سافيمبي بالمال والسلاح، وهو ما أمدّ النزاع الأنغولي بالحياة لعقود.
وعلى نحو مشابه، تشير تقارير متعددة إلى دعم رواندا وأوغندا لتحالف نغانغا، ضمن صراع إقليمي طويل في منطقة البحيرات الكبرى، يتداخل فيه الأمن بالاقتصاد.
وفي كلتا الحالتين، لعبت الموارد دورا أساسيا في تمويل الحرب، ففي أنغولا، شكل النفط والماس جوهر التنافس، بينما يتركز النزاع في الكونغو حول الكولتان والكوبالت والتانتال والذهب، وهي ثروات ضرورية للصناعات التكنولوجية العالمية، وغالبا ما تسهل هذه الثروات تدخل الفاعلين الأجانب بحجة "حماية المصالح الاستراتيجية".
ويرى بعض منتقدي سافيمبي أنه كان يستقبل في واشنطن، ويحظى بدعم علني رغم انتهاكات حركته، أما نغانغا، فرغم الاتهامات الموجهة إليه بالارتباط بجماعات مسلحة، لا يزال يحظى بمنصات إعلامية غربية، وهذا يعكس ازدواجية المعايير في التعاطي الدولي مع الحركات المسلحة، بحسب المصلحة لا المبادئ.
قتل سافيمبي عام 2002 بعد أن فقد أهميته الجيوسياسية إثر اتفاقات النفط الجديدة بين الولايات المتحدة وأنغولا.
أما نغانغا، فلا يزال فاعلا إعلاميا دون إنجازات ميدانية كبيرة، رغم التقدم النسبي الذي حقق التمرد الذي يقوده، وقد يكون مصيره مرتبطا بتفاهمات مستقبلية حول استغلال الموارد بين كينشاسا وواشنطن.
خلف تمرد سافيمبي مئات الآلاف من القتلى ومجتمعا منقسما حتى بعد انتهاء الحرب، أما التمرد الذي يقوده نغانغا، فقد زاد من حدة الانقسام الداخلي في الكونغو، خصوصا في المناطق الشرقية، وأعاد شبح التدويل إلى المشهد السياسي المحلي.
تؤكد التجربتان أن التمرد المسلح، مهما كانت شعاراته، لا ينجح دون دعم خارجي ولا ينتهي دون تسوية سياسية أو صفقة دولية، كما يظهران أن القوى العالمية لا تتعامل مع إفريقيا إلا بوصفها ساحة للموارد، تحركها المصالح وليس المبادئ، وأن التهميش الداخلي يظل أكبر مداخل التدخل الخارجي.