التيار (باماكو) - قالت مصادر رسمية في العاصمة المالية باماكو إن التوتر السياسي الذي تصدر المشهد السبت الماضي، جاء بعد تحول لقاء إعلامي في قصر الثقافة “أمادو هامباتي با” إلى مناسبة لعرض التباينات الحادة بين أنصار العودة السريعة للنظام الدستوري، ومؤيدي استمرار المرحلة الانتقالية تحت شعار الدفاع عن السيادة الوطنية.
وأشارت المصادر إلى أن السلطات الأمنية طوقت محيط المكان منتصف النهار، في محاولة لاحتواء الاحتكاك بين المشاركين، حيث رفع أنصار التيارات السياسية المعارضة شعارات تطالب بالانتخابات والحريات، فيما عبر مؤيدو المرحلة الانتقالية عن دعمهم القوي للسلطات الحالية ورفضهم للنخبة السياسية التقليدية.
وقد ألغي النشاط تجنبا لأي مواجهة مباشرة، لكن ذلك لم يحجب مؤشرات التوتر العميق الذي تعيشه البلاد بين تيارين متوازيين، أحدهما يطالب بتسريع الانتقال الديمقراطي، والآخر يرى في السلطة الانتقالية مشروعا لتحرير البلاد من إرث التبعية السياسية والمؤسساتية.
الخلاف تفجر على خلفية توصيات منتدى "القوى الحية للأمة" الذي اختتم نهاية أبريل في باماكو، والذي دعا إلى حل الأحزاب السياسية واقترح منح الرئيس الانتقالي، الجنرال عاصيمي غويتا، ولاية رئاسية من خمس سنوات، قابلة للتجديد.
وقد أثارت هذه التوصيات ردود فعل متباينة، بين من اعتبرها محاولة لتصحيح مسار سياسي فاشل، ومن رأى فيها تهديدا مباشرا للتعددية الحزبية ومبادئ الحكم الديمقراطي، خاصة بعد إقرار مجلس الوزراء مشروع قانون يلغي ميثاق الأحزاب المعتمد منذ 2005.
ويخشى مراقبون من أن يؤدي إلغاء هذا الميثاق إلى فراغ قانوني يقصي التعددية السياسية ويضعف أسس الحوار الديمقراطي.
ويشير بعض المراقبين، إلى حالة من ضعف التأييد الشعبي، تعانيها الطبقة السياسية التقليدية، ما يفسر في نظرهم، جزئيا، دعما الشعبيا للسلطات الانتقالية، إلا أن هذا الدعم، كما يوضح عدد من النشطاء، لا ينبغي تفسيره كضوء أخضر لإقصاء الأصوات المعارضة أو تقييد الحريات العامة.
ورددت الجماهير المتواجدة في محيط القصر شعارات متناقضة، ما يعكس عمق الانقسام في الرأي العام: "تحيا الديمقراطية" من جهة، و"يحيا عاصيمي، يسقط السياسيون" من جهة أخرى، في مشهد يعكس تحديات التوفيق بين مطلب السيادة والاستقرار، والحاجة إلى إعادة بناء مؤسسات شرعية.
ويرى محللون سياسيون أن المرحلة الراهنة تتطلب حوارا صريحا ومسؤولا بين مختلف مكونات المجتمع المالي، يجمع بين تطلعات الشعب نحو سيادة وطنية حقيقية، وضرورة بناء مؤسسات منتخبة قائمة على التعددية والعدالة.
ويؤكد مراقبون أن تحقيق الاستقرار لا يجب أن يكون على حساب الحريات، وأن نجاح المرحلة الانتقالية مشروط بالقدرة على الاستماع لكل الأصوات دون إقصاء، مشددين على أن "لا أحد يحتكر الحقيقة، ولا مرحلة انتقالية تستمر إلى الأبد".
وتشهد مالي انقسامات عميقة، دفعت ببعض الحركات السياسية إلى حمل السلاح في وجه الحكومة في منطقتي الجنوب، والشمال، بنما قرر النظام العسكري الحاكم في البلاد استخدام السلاح كأداة وحيدة لإخضاع الحركات السياسية، وتلك المتطرفة في البلاد.