التيار (أبيدجان) - أعادت قضية السياسي الإيفواري تيجاني تيام، الذي تم استبعاده مؤخرا من القوائم الانتخابية في كوت ديفوار بسبب حمله لجنسيتين، الجدل حول إشكالية الجنسية المزدوجة في المشهد السياسي الإفريقي، رغم كونها مقبولة في مجالات أخرى كالمنافسات الرياضية والتمثيل الدولي.
ولا تعد حالة تيام استثناء، إذ تحظر عدة دول إفريقية الجنسية المزدوجة صراحة، بينما تسمح بها دول أخرى ضمن شروط، لكنها في الوقت نفسه تمنع حامليها من الترشح لبعض المناصب السيادية، ما يفتح الباب أمام تساؤلات بشأن معايير الولاء والانتماء.
ويرى مراقبون أن هذه القوانين تعكس تخوفا سياسيا أكثر منه قانونيا، في وقت باتت فيه الكفاءات الإفريقية تكون وتبرز خارج حدود بلدانها، ما يجعل هذا النوع من القيود محل انتقاد واسع، خاصة حين يسمح للاعبين وممثلين ثقافيين بازدواجية الانتماء دون أي إشكال.
وتطرح اليوم أسئلة حقيقية حول مدى انسجام هذه السياسات مع واقع الهجرة والشتات، وحول مدى استعداد الأنظمة السياسية الإفريقية لتجديد نظرتها للمواطنة في عصر يتسم بالعولمة وتعدد الهويات.
تستند معظم الأنظمة الإفريقية التي تقيد أو تحظر الجنسية المزدوجة إلى مبررات تتعلق بالسيادة والأمن القومي تحديدا، وترى هذه الأنظمة أن الجنسية المزدوجة تطرح إشكالا في "صفاء الولاء"، إذ يخشى أن يفضل حاملها مصلحة بلد آخر على مصلحة بلده الأصلي، خاصة في الملفات الحساسة.
وتعتبر بعض الحكومات أن السماح لمزدوجي الجنسية بتولي مناصب رفيعة قد يفتح الباب أمام نفوذ أجنبي، خصوصا من الدول الاستعمارية السابقة.
وتثار المخاوف من أن يخضع المسؤول المزدوج الجنسية أحيانا لقوانين بلد آخر أو يتمتع بحماية دبلوماسية مزدوجة، ما يعقد المساءلة القانونية.
وفي المقابل، يرى المدافعون عن حق مزدوجي الجنسية في ممارسة السياسة والترشح للمناصب السيادية، أن ازدواجية الجنسية لا تعني ازدواجية الولاء، ويؤكدون أن الانتماء لا يقاس بجواز السفر، بل بالإيمان بالمشروع الوطني، والانخراط في خدمته، أكان صاحبه في الداخل أو في الخارج، وشيرون إلى أن الكثير من الكفاءات الإفريقية تكونت في الخارج، وإقصاؤها بسبب الجنسية يحرم البلدان من خبرات ثمينة.
و يرى موالون لهذا الطرح أن إشراك الجاليات في الحكم يمثل اعترافا بدورها الاقتصادي والسياسي المتزايد في أوطانها الأصلية.
ويعتقد كثير من المراقبين أن القوانين التي تستخدم لاستبعاد مزدوجي الجنسية تطبق بانتقائية، وغالبا ما تفعل ضد خصوم سياسيين بعينهم، كما حدث مع تيجاني تيام، فهناك من يسمح لهم بالترشح رغم امتلاكهم أكثر من جنسية، فيما يمنع آخرون، ما يعكس استخداما سياسيا للقانون بدلا من تطبيقه بشكل نزيه.
وما بين الخوف من تهديد السيادة والانفتاح على كفاءات الشتات، يطرح خيار ثالث، يتمثل في فرض شروط واضحة دون إقصاء تام، مثل تخلي المرشح عن جنسيته الثانية قبل الترشح لتولي المنصب، أو شرط فترة "إقامة إجبارية" في البلد قبل الترشح.
ويسمح لمزدوجي الجنسية غالبا بالدخول في الحكومات والبرلمان، مع إبقاء منصب الرئيس محصورا في المواطنين الحاملين لجنسية واحدة فقط.
ويطالب البعض بإعادة النظر في القوانين بما يتماشى مع واقع الهجرة والعولمة، شريطة حماية المصالح العليا للدولة.
وتبقى قضية الجنسية المزدوجة والمناصب السيادية تطرح تحديا معقدا في السياق الإفريقي، يتداخل فيه القانوني بالسياسي، والوطني بالعالمي.
وبينما تسعى الأنظمة لحماية السيادة، يرى بعض المراقبين أنها ملزمة كذلك ألا تغلق الباب أمام أبناء الوطن في الخارج، ممن قد يحملون أكثر من جنسية، لكنهم لا يحملون إلا ولاء واحدا.