النساء في موريتانيا.. بين الأدوار التقليدية والانخراط في المشهد العام

بواسطة abbe

التيار (نواكشوط) - رغم التحولات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها موريتانيا، لا تزال المرأة تواجه تحديات عميقة الجذور تتعلق بعدم المساواة، وتعاني من أوجه عنف رمزية وهيكلية تتغذى من الأدوار الاجتماعية التقليدية، وفق ما أفادت به ممثلية صندوق الأمم المتحدة للسكان في موريتانيا، التي تعتبر أن "تغيير العقليات هو المعركة الأطول"، التي يجب على الإعلام لعب دور بارز فيها.

ففي قراءتها لواقع المرأة الموريتانية، تشير ممثلية الأمم المتحدة للسكان، إلى أن تقسيم الأدوار بين الجنسين لا يزال محكوما بمنظور تقليدي، فالرجال يتصدرون مواقع القرار ويتحملون المسؤوليات الاقتصادية، في حين تسند إلى النساء مهام الرعاية المنزلية وصون الشرف الأسري.

هذا التوزيع الاجتماعي يعمق من الهوة بين الجنسين، ويضفي مشروعية ثقافية على ممارسات مثل الزواج المبكر والقسري، وهي ممارسات لا تزال تسجل نسبا مقلقة في بعض المناطق الداخلية.

نساء يكسرن الحواجز... رغم استمرار العوائق

رغم هذا الواقع، تؤكد الممثلية الأممية وجود دينامية إيجابية تشهدها البلاد، حيث تزداد مشاركة النساء في الفضاءين الاقتصادي والسياسي، فقد أصبحت المرأة حاضرة في مناصب اتخاذ القرار، وتشغل حاليا نسبا متقدمة في البرلمان والإدارة، وهو ما يمثل، بحسب الممثلية، “مؤشرا على تحول اجتماعي عميق، حتى وإن كان غير مكتمل”.

ومع ذلك، ما تزال الممارسات التقليدية وقصور تنفيذ النصوص القانونية تحد من فعالية هذه التحولات، وهو ما يفرض ضرورة تعزيز السياسات العمومية الداعمة للمرأة، خاصة في المناطق الريفية حيث يسجل أكبر تفاوت في الفرص والتمثيل.

من يملك سلطة القرار داخل البيت الموريتاني..؟

تبرز المعطيات التي حصلنا عليها من الممثلية الأممية، أن القرارات داخل الأسر الموريتانية لا تزال تهيمن عليها الذكورية، حيث ينظر إلى الرجل باعتباره القيم الأول على البيت، غير أن حضور المرأة داخل المنظومة الأسرية لا يقتصر على العمل المنزلي، بل يشمل إدارة شؤون الحياة اليومية والتنشئة، في سياق ثقافي يعتبرها “الركيزة الأخلاقية” للأسرة.

ومع تزايد مشاركتها خارج الإطار المنزلي، بدأت المرأة تُعيد فرض حضورها داخل دوائر القرار العائلي، وهو ما تعتبره ممثلية الأمم المتحدة "تحولا صامتا يحدث فرقا كبيرا في توازن القوى داخل المجتمع".

الصحة والتعليم.. فجوة تعرقل المساواة

في مجالي الصحة والتعليم، تشير بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن الفجوة بين الجنسين ما تزال قائمة، رغم التحسن التدريجي في معدلات التمدرس لدى الفتيات، وتسجل أكبر التحديات في التعليم العالي، حيث تنخفض نسب التحاق النساء بشكل حاد.

أما في القطاع الصحي، فتسجل موريتانيا معدل وفيات أمهات مرتفع يصل إلى حالتي وفاة يوميا أثناء الحمل أو الولادة.

وتؤكد الممثلية الأممية أن الحكومة شرعت في تنفيذ خطة وطنية لخفض هذه النسبة، إلا أن النقص في البنى التحتية وضعف التغطية الصحية في الداخل يشكلان عقبة رئيسية أمام نجاح تلك الجهود.

مشاركة سياسية متنامية..

على المستوى السياسي، تسجل النساء مكاسب بارزة بفضل نظام الحصص النسائية المخصصة بقوة القانون (الكوتا)، وهو ما مكنهن من شغل نسبة معتبرة من المقاعد في الجمعية الوطنية، لكن ممثلية الأمم المتحدة للسكان ترى أن هذا الإنجاز "مؤسسي أكثر مما هو ثقافي"، محذرة من أن استمراريته مرهونة بترسيخ الوعي المجتمعي بدور النساء، وليس فقط بقرارات إدارية.

التقاليد... قيد أم مورد قوة؟

بعيدا عن الصور النمطية، تلفت الممثلية إلى أن المرأة الموريتانية تتمتع في بعض البيئات باستقلالية معتبرة، بل وتحظى بمكانة اجتماعية تكرسها كمرجعية داخل الأسرة والمجتمع، لا سيما في الأوساط الحضرية والوسطى.

وتبرز هذه الخصوصية أن الأعراف ليست دوما عبئا، بل قد تشكل أحيانا مصدر قوة وتقدير للنساء، ما يدعو، وفق الممثلية، إلى "مقاربة نقدية متوازنة" عند تحليل أثر التقاليد.

القطاع غير المصنف.. ساحة النساء المهمشات

وفي الجانب الاقتصادي، تكشف ممثلية الأمم المتحدة للسكان أن النساء يشكلن الغالبية في القطاع غير المصنف، والذي يتميز بانعدام الاستقرار الوظيفي، وغياب الحماية الاجتماعية، وانخفاض الأجور، كما تواجه النساء صعوبات كبيرة في الوصول إلى التمويل وامتلاك الأصول، ويقمن بأعمال منزلية غير مدفوعة الأجر تثقل كاهلهن وتحد من قدرتهن على الاستقلال المالي.

وتقول المعطيات الرسمية للممثلية الأممية إن هذه الفجوة الاقتصادية بين الجنسين لا تضر فقط بحقوق النساء، بل تعيق النمو الشامل للبلد، داعية إلى سياسات اقتصادية "مبنية على النوع الاجتماعي" تراعي احتياجات النساء وتفتح أمامهن سبل التمكين.

رغم التقدم المسجل، لا تزال المرأة الموريتانية تصارع من أجل انتزاع الاعتراف الكامل بمكانتها داخل الأسرة والمجتمع والدولة.

وبين التقاليد المتجذرة والتطلعات الجديدة، تبقى العدالة في ملف النوع، داخل البلاد، رهينة بنضال طويل النفس، لا تكسب معاركه بالقوانين فقط، بل بتغيير العقليات والأنظمة أيضا.