التيار (أبيدجان) - تشهد العلاقات بين بوركينا فاسو وساحل العاج توترا متصاعدا يعكس عمق الخلافات السياسية والتداخلات الإثنية بين البلدين الجارين، بعد تبادل الاتهامات بشأن التجسس والتدخل في الشؤون الداخلية، واتهام واغادوغو لأبيدجان بإيواء معارضين لنظام النقيب إبراهيم تراوري.
اندلعت الأزمة عقب إعلان السلطات البوركينابية توقيف ستة موظفين من المديرية الإيفوارية لمساعدة اللاجئين، متهمة إياهم بممارسة أنشطة تجسسية، وهو ما نفته الحكومة الإيفوارية بشدة مؤكدة أن المعنيين موظفون مدنيون مكلفون بإحصاء اللاجئين وتقديم الدعم الإنساني لهم.
ورد وزير الأمن البوركينابي محمدو سانا على التصريحات الإيفوارية، موضحا أن أبيدجان "تخلط بين النشاط العسكري وأعمال التجسس"، ومؤكدا أن "التجسس يمكن أن يمارسه مدنيون إذا استهدفوا مواقع أو مؤسسات حساسة"، داعيا نظيره الإيفواري إلى "التحلي بالصمت حين يجهل تفاصيل المجال الأمني".
تزامنت هذه التصريحات مع اتهامات وجهها الرئيس الانتقالي في بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري لساحل العاج باحتضان "أعداء بوركينا فاسو"، في إشارة إلى شخصيات معارضة ومؤثرين يقيم بعضهم في أبيدجان منذ بداية المرحلة الانتقالية في واغادوغو.
ويعيد هذا التوتر إلى الواجهة تعقيدات تاريخية أعمق، إذ يرتبط البلدان بتداخل إثني وجغرافي واسع يجعل الحدود المشتركة مجرد فاصل إداري بين مجتمعات واحدة في الأصل، كما أن العلاقات بين الشعبين ظلت متشابكة بفعل موجات الهجرة التي جعلت مئات الآلاف من البوركينابيين يقيمون في ساحل العاج منذ عقود.
هذا التداخل بين الشعبين كان سببا في أزمات سياسية داخلية في أبيدجان، أبرزها الجدل المتكرر حول جنسية بعض القادة السياسيين، واتهام الرئيس العاجي الحالي الحسن واتارا في مراحل سابقة بأنه من أصل بوركينابي، ما جعله يواجه صعوبات في الترشح للانتخابات الرئاسية.
ويرى مراقبون أن الخلاف الحالي لا يمكن فصله عن سياقين متوازيين، أولهما الوضع الداخلي في بوركينا فاسو، حيث يسعى النظام الانتقالي إلى تعزيز تماسكه الداخلي عبر خطاب وطني يحمّل أطرافا خارجية مسؤولية زعزعة الاستقرار، وثانيهما المناخ الانتخابي المتوتر في ساحل العاج الذي يشهد استبعاد بعض المرشحين البارزين لأسباب سياسية، كما أن وجود معارضين بوركينابيين على الأراضي الإيفوارية يمنح الأزمة بعدا سياسيا إضافيا، خاصة مع تكرار اتهامات واغادوغو بأن بعض هؤلاء ينشطون إعلاميا ضد السلطة الانتقالية.
ويرجح محللون أن استمرار التراشق الإعلامي بين الجانبين سيؤدي إلى مزيد من القطيعة الدبلوماسية، ما لم تفتح قنوات حوار مباشرة أو وساطة إقليمية تحت مظلة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس)، فالعلاقات بين البلدين تمثل عنصرا حيويا لاستقرار المنطقة، وأي انزلاق في هذا التوتر قد تكون له تبعات إنسانية وأمنية خطيرة، خاصة على أوضاع اللاجئين والعمال البوركينابيين المقيمين في ساحل العاج، الذين قد يتحولون مجددا إلى ضحايا لصراعات سياسية لا يد لهم فيها.