التيار (باماكو) - أوقفت السلطات العسكرية المالية، في السابع من أغسطس الجاري، الجنرال في سلاح الجو نيما ساغارا، عضو هيئة الأركان، تلت ذلك حملة اعتقالات طالت قرابة 40 ضابطا من مختلف الوحدات، بتهمة المشاركة في محاولة انقلاب عسكري على المجلس العسكري الحاكم في البلاد.
وتعد نيما ساغارا من أبرز القيادات النسائية في الجيش المالي، ومن النماذج النادرة لضابطات وصلن إلى رتبة جنرال في إفريقيا، وقد اشتهرت بمشاركتها المباشرة في العمليات القتالية، خاصة في المناطق المتضررة من النزاع المسلح شمال ووسط البلاد.
مصدر عسكري مالي رفيع قال للتيار إن القضاء العسكري بدأ التحقيق مع عدد من الضباط وضباط الصف بعد الحصول على معلومات استخباراتية تؤكد تورطهم في مخطط متقدم لزعزعة الاستقرار في البلاد، مؤكدا أن خيوط القضية لم تتكشف كاملة، وأن السلطات المختصة ستطلع الرأي العام على تفاصيل القضية كاملة في الساعات القادمة.
ولم يستبعد المصدر تورط قيادات أخرى في المحاولة، مشيرا إلى أن الساعات والأيام القادمة، واحترافية الأجهزة المختصة داخل الجيش كفيلة بكشف كافة خيوط المؤامرة ضد البلاد، وفق تعبيره.
ويؤكد عدد من المراقبين للشأن المالي وجود صراع قوي منذ فترة بين أبرز قيادات المجلس العسكري الحاكم في البلاد، وسط حديث عن تقاسم قياداته التحالفات الدولية الجديدة للبلاد.
وجاءت الاعتقالات الأخيرة في سياق أمني شديد التعقيد تعيشه مالي منذ سنوات، إذ تخوض قواتها المسلحة حربا متعددة الجبهات ضد الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيمي “القاعدة” و”داعش”، وسط هجمات متزايدة تستهدف المدنيين والبنية التحتية، وتحديات لوجستية تعيق العمليات العسكرية.
كما تأتي التطورات في وقت تواجه فيه باماكو ضغوطا داخلية بسبب الوضع الاقتصادي، الذي تأثر بعقوبات إقليمية فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) في فترات سابقة، إضافة إلى تراجع المساعدات الغربية، ما ألقى بظلاله على الخدمات العامة وسوق العمل ومستويات المعيشة.
وتشهد البلاد منذ 2020 تحولات كبيرة في تحالفاتها الإقليمية والدولية، حيث اتجهت السلطات الانتقالية بقيادة الفريق أول عاصمي غويتا نحو تعزيز الشراكات العسكرية مع روسيا، سواء عبر صفقات سلاح أو حضور مجموعة فاغنر (التي أعيد تنظيمها تحت مسميات جديدة "الفيلق الإفريقي")، في مقابل تقليص النفوذ الفرنسي وانسحاب قوات “برخان” و”تاكوبا”.
ويرى مراقبون أن هذه التحولات في خريطة التحالفات، مع ما رافقها من خطاب سيادي مناهض للتدخلات الخارجية، أسهمت في إعادة رسم موازين القوة داخل المؤسسة العسكرية نفسها، ما قد يكون خلق توترات بين أجنحة مختلفة داخل الجيش.
ولا يستبعد بعض المراقبين أن تكون المحاولة الانقلابية التي يتم الحديث عنها، ناتجة عن طبيعة الصراع على توجهات البلاد الإستراتيجية، بين من يدعم استمرار الانفتاح على الشراكات غير التقليدية مع روسيا ودول أخرى خارج الفضاء الغربي، ومن يفضل العودة إلى نمط التحالفات التقليدية مع القوى الغربية والإقليمية.
كما لا يمكن فصل هذه الأزمة عن سياق الانقلابات العسكرية المتكررة في منطقة الساحل وغرب إفريقيا خلال الأعوام الأخيرة، والتي شملت مالي نفسها في 2020 و2021، وأثارت جدلا واسعا حول استقرار الأنظمة السياسية وقدرتها على إدارة الانتقال السياسي.
وتبقى تداعيات هذه الاعتقالات مرهونة بما ستكشفه التحقيقات العسكرية، وبكيفية تعامل السلطات مع الانقسامات المحتملة داخل الجيش، في ظل استمرار التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه مالي في مرحلة حساسة من تاريخها.