تدوين تاريخ العبودية، وحفظ آثارها اعترافٌ بالماضي، وإنصافٌ للحاضر

بواسطة ezzein

أ. محمد سمت أبياي (نورالدين)

إن تاريخ العبيد والعبيد السابقين لا يمكن أن ينظر إليه بإنصاف ما لم تُشرك فيه ألوان العبودية، وآثارها المادية، ومخلفاتها، وشواهدها الحية.. لأن في ذلك حفظ للذاكرة الوطنية، وذكرى يتأملها العقلاء، وتبقى في عقول الأجيال حرزا من العودة إلى الوراء، ورسالة مفادها: هكذا كنا، وهكذا أصبحنا..
ليس ذلك من قبيل الصدف، ولا البدع، ولا هو عملٌ سابق من نوعه، وإنما هو منهج معروف، يزخر به حاضر المجتمعات الراقية، والشعوب التي جربت في تاريخها الاستعباد، وممارساته الشنيعة.
فبيت العبيد في جزيرة "غورية" الذي أنشأ عام 1978م بالسنغال يعتبر جزء من المواقع التراثية العالمية التي تعترف بها اليونسكو، وكذلك "متحف العبيد" في زنجبار، وبيت "بن جلمود" في قلب العاصمة القطرية الدوحة، ومتحف سوق العبيد القديم بولاية ساوث كارولاينا بالمملكة المتحدة، ومتاحف العبيد في جنوب افريقيا، وآنغولا، ونيجيريا، والبرازيل، والولايات المتحدة... كلها آثار لممارسات بشعة، احتفظت بها ذاكرة الشعوب، وجسدتها ذكرى، وتذكرة وعبرة، حتى لا يُنسى التاريخ، ولكي يبقى راسخا أبدا في النفوسِ بحلوه مره، بإنجازاته، وتجاوزاته، ومن لم يقرأ التاريخ بتناقضاته هذه فهو الذي يهرب من تاريخه، ويخاف منه، ويدفن رأسه في الرمال، ويظن أنه بذلك ينجو، ويتخلص من الحمل الثقيل الذي تركه الأجيال السابقون للاحقين.

تاريخ العبودية في موريتانيا هو الآخر يستحق أن يُخلد كما خُلدت معارك القبائل، وانتصاراتها، وأيامها الخالدة، فاحتوتها موسوعة ولد حامدن "حياة موريتانيا"، ولم يقل أحد إن ذلك من قبيل الفتنة ولا مما يجب حجبه عن الناس أو منع هذه الموسوعة من التداول، بل إن أبناء تلك القبائل لازالوا يعيشون على ذلك الماضي، ويتم تصنيفهم طبقا له، ويستمدون منه اعتباراتهم الاجتماعية والسياسية، والثقافية.

التاريخ تاريخ حيث هو، ولابد في الطريق إلى التصالح الاجتماعي من الصراحة، وتحييد الشحنات السلبية لهذا للماضي، وعدم الخوف من مناقشته، ومراجعته، والاحتفاظ بذكراه، كما فعلت الشعوب التي مرت بهذه التجربة المأساوية، ونحن كموريتانيين لسنا بدعا من الأمم، وإنما ننسج على مثال سابق، ونترسم طرق أمم استفادت من تنوعها، وجعلت من ماضيها أساسا للتصالح، والتعايش السليم.
إن التاريخ حين يتحول إلى محض أمجادٍ، وادعاءات، ومحاذيرة مُقلقة، مخيفة، مزعجة، يظل تاريخا ملغوما، لا تمكن دراسته، ولا الاستفادة منه في صناعة الحاضر أو المستقبل، لأنه أحيط بمحظورات حيَّدته عن الاعتبار والادكار، وأضفت عليه حالة استعلائية مقيتة وتلك هي أسوأ حالات التاريخ للأسف الشديد.

الماضي كما الحاضر لا يمكن أن يكون لونا واحدا، والشعوب تشهد تحولات كثيرة، وتبادلا للمواقع، والمكانة، وهذا هو التفاعل الطبيعي مع الحياة، والسعي الحقيقي مع حركتها، وتلك سنة الله في الأرض، ومن يرى خلاف ذلك فقد خالف سنة الله، وسعى إلى تدمير التاريخ، ورهن الحاضر والمستقبل لنظرة بدائية تحشى من ماضيها، ولا حاضر لمن لا ماضي له، بل لا حاضر مشرق لمن لا يمتلك ماضيا مختلفا، فيه العثرات الكثيرة والأخطاء والجسيمة.
أ. محمد سمت أبياي (نورالدين)