المألوف أن وزراء الداخلية في عالمنا العربي وفي إفريقيا رجال مخلصون للقائد؛ يضربون بيد من حديد على كل من تسول له نفسه المساس بالأمن؛ وولاؤهم مطلق للقائد أيا كان ملكا أو أميرا أو رئيسا حتى ولو كان على حساب الحريات العامة. لذلك هم أناس مكروهون غالبا؛ يباشرون القمع والاستبداد والتضييق بشكل يومي؛ لايفقدون مناصبهم إلا ليتولوا أخرى أهم منها.
وتلك هي الصورة النمطية فينا وفي غيرنا من الدول التي تشاكلنا. وكثيرة هي الإطراءات والتزلفات التي يسمعونها بشكل يومي؛ وقد أراد الله علي شخصيا أن لم أجعل منصب وزير الداخلية في لائحة من أحب؛ ولا أعتقد أن ذلك سيتغير في الوضع الحالي لمؤسسات الدولة وطرائق تشكل الوعي وميزان القوى.
غير أن أداء وزير الداخلية الموريتاني أمام البرلمان اليوم حول معضلة الهجرة غير النظامية كان فذا بكل المقاييس.
ابتعد الرجل اللصيق بالرئيس عن رتابة الإدارة وغموض الدبلوماسية؛ فتحدث بنفس غير شعوبي غير كاره للأجانب متفهم لمتقضيات الأمر مسترشدا بقرائن الأحوال؛ داعيا مواطنيه في بلدان شبه المنطقة إلى التقيد بقوانين مضيفيهم.
من حسنات العمل الحكومي أن تساهم من موقعك بفعل شيء كبير لست بالغه من خارج الجهاز التنفيذي.
نحن بلد عبور بالدرجة الأولى لمشاريع الغرقى هؤلاء وصيانة أرواحهم مسؤوليتنا. أحد البلدان الجيران فقد آلافا في سنة 2024 لوحدها وكلهم شباب قضوا غرقا أو فقدا وتركوا فاجعة وطنية كبيرة وفراغا ؛ لكننا مطالبون بتوقيفهم بكرامة وترحيلهم بحصافة والتمييز بينهم بتبصر.
نحتاج ككل الدنيا لخبرات المهاجرين وقيمتهم المضافة؛ ويحتاجوننا كمهجر يأمنون فيه على حياتهم وأعراضهم وأديانهم؛ ويتعلمون فينا كما نتعلم في بلدانهم. لكن العابرين منهم لا يكترثون للبقاء فينا ولا يعرفوننا ولايريدون أن يعرفوننا؛ فمهما أخفوا ذلك يظل البون الظالم بين أوطاننا وغرب أوروبا في الغذاء والدواء والديمقراطية وحقوق الإنسان نصب أعينهم حتى تحين لحظة الإبحار في البحر الأخضر.
تحدثت وغيري كثيرون بإسهاب وحسرة عن هذا الموضوع؛ وحاولت إضافة شيء فوجدت في حديث ولد احويرثي أمام البرلمان وفعله على الارض مع القوة العمومية عصارة ناضجة لما اختلج في ما كتبت وكتب وقال غيري.
الطامة التي لاتخفى على الوزير وغيره من السلطات هي أن في الموضوع تجارة ومال ومنا تجار استغنوا عبر مواقعهم المختلفة من هذا الموضوع؛ وملامسة الوجع فيه تكمن في تشكيل قوة خاصة بها تقنيون واستخباراتيون لمحاربته.
المهاجرون في موريتانيا لاضرر ولا ضرار

إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا