الشعب العجلاتي..

بواسطة ezzein

الإعلامي محمد احريمو

لا تخطئ العين ارتباطا غير مفهوم بيننا ومعدات الحركة في كل آلة، خاصة إطاراتها أو أرجلها إن شئتم.
كانت ثكنة الحرس الوطني الأقدم بعرفات مقصد اثنين، هاو للرياضة سيلعب في ساحاتها، أو طاو البطن قادم ساعة إعاشة الحرس.. العشاء معكرونة والوقت في تمام السادسة والنصف مساء. أما حدود الثكنة فإطارات من أغلب الجهات.
نحن أمة طيبة، فثكنات الحرس حتى وقت غير بعيد كانت تحرسها الإطارات.

قصتنا مع الإطارات ـ والأطر أحيانا ـ لا تفسير منطقي لها.
استصلحت جمعية التنوع الثقافي والبيئي بعون من السينمائيين والمثقفين ساحة من سوح ظامت 40 واخريبكه في قلب المدينة القديمة، بذلوا من جهدهم ووقتهم ومالهم الكثير وحولوها إلى مكان لطيف ومتنفس يليق بجوار متحف العاصمة.. وحتى يكون الفضاء مناسبا للذهن الوطني كانت مقاعده من بقايا العريقة مرسيدس 190 و250 ورينو وبيجو. (لهم عتب على تويوتا لا شك).
ثم لإضفاء طابع محلي خالص عزلوا بعض مساحات الفضاء بإطارات.. إنه ختم وطني يأتي بعد السنبلة والفسيلة.
حتى دار السينمائيين نفسها كانت في مقرها الأول مجموعة منتقاة من أفضل عجلات السوق.

كنت أقف عند ناصية شارع الملك فيصل وكانت جامعة نواكشوط تمور.. إذا مناضل طلابي ـ موظف حكومي اليوم ـ يكيل السباب للنظام ويدافع ببوق صغير رجال شرطة الشغب، ثم ماهي إلا لحظات حتى أشعل فتى ملثم النار في إطار فهاجت الشرطة وتفرقت الجموع. 
تكره الشرطة والدولة تبذير الإطارات، قالها مرة وال سابق ذات معارضة.
التقري العشوائي الذي كان يشطر أغلب مقاطعات العاصمة تأسس على أطر وإطارات وجنوط.
اتفق الجمهور على أن المعدم الفقير والمفلس الذي لا يملك درهما "على الحديدة" أو "على جنط".
لصوص المدينة اليوم يجلسون السيارة ـ دون معدات رفع! ـ على مربعات خرسانة أو لبِن لأنهم يريدون الجنوط.. ما أقسى هذه السرقة! فلو أنهم سرقوها كلها لكان أسهل عليهم وأهون على صاحبها من رؤيتها ثلماء معتلة.
ذو المسألة الصعبة والمشكلات المستعصية "كرعيه قايسين".
وحتى لا نختلف فلا يمكن لأحد أن ينكر أن أجمل أصوات أجراس المدارس حتى وقت قريب هي تلك التي تملك جنوطا من مرسيدس، موديل 1924. وعادة تحفر إدارة المدرسة لمثل هذه الجنوط أساسا في الأرض خوف السرقة (لا تنسوا أن السور إطارات). غير أن جنوط ساحات المدارس تسمى أجراسا، يتفق على ذلك الكل.. يا لها من أجراس.
السيارة ذات الجنوط الرياضية تبقى ذات نسب في السيارات وإن سعل محركها ألوانا.
قبل المشاريع والسمنة والتدثر عن معالمها بدراعة الأمتار العشرة كان أطفال المدينة يجدون متعتهم في دفع الإطار والجري خلفه، دون وجهة معينة ودون ملل. إطار تعبث به الفيزياء وتضاريس الحي وصرف مياه الغسالين وغالبا قد يكون طوله قريبا من طول صويحبه، لكنه مع ذلك يستمتع بإعادة الروح إلى إطاره وإدارته المرة بعد المرة.
أعرف سيدة تكبرت على حيها في إحدى "الكزرات" لأن أحد إطارات سورها كان لطائرة فوكير 28 للخطوط الجوية الموريتانية التي يعمل زوجها ميكانيكيا بها.. رحم الله السيدة والخطوط.

ثم هل تنكرون عبقريتنا باستخدام مطاط الهواء (شامبريير) لأغراض لم تخطر على بال مصنعه؟ 
كان آلة إعاد إغلاق الباب بعد فتحه، ودلو الآبار ومخازن الماء، وبه تورد المياه العذبة على البهائم، ومنه صنعت مقابض الأبواب والسكاكين وبعض أنواع الأحزمة، بل بلغ الحد الذي صار يباع فيه بالتجزئة لكثرة استخدامه، وحتى ذلك الطفل الذي يلهث خلف إطاره، ومن منا لا يفعل، ذلك الطفل استأمن أمه على مقلاع (انبق) ثمين من المطاط.

فهل ظلم قدماؤنا عجلاتيا فدعا علينا؟