التيار (نواكشوط) - أعلن الرئيس الإيفواري الحسن واتارا، مساء الثلاثاء، ترشحه لولاية رئاسية جديدة خلال الانتخابات المزمع تنظيمها في 25 أكتوبر 2025، متذرعا بـ"الواجب الوطني" و"خطورة اللحظة" التي تمر بها البلاد والمنطقة ككل.
ومع أن الإعلان جاء في صيغة خطاب طمأنة، إلا أن مضمونه يعيد إنتاج معادلة مألوفة في المشهد السياسي الإيفواري، رئيس قوي يمدد قبضته، في مشهد انتخابي يخلو من أبرز منافسيه.
قال واتارا إنه اتخذ قراره بعد "تفكير عميق" وإن الدستور والصحة يسمحان له بالترشح، رغم أنه أعلن قبل خمس سنوات عزمه تسليم السلطة لجيل جديد.
وبرر العودة عن ذلك الوعد بسياق غير مسبوق من التحديات الأمنية والاقتصادية، معتبرا أن "الواجب قد يعلو أحيانا على الكلمة المعطاة".
وبينما يشكل هذا الطرح تكرارا لسردية "الاستمرارية في مواجهة الخطر"، فإن منتقدين يعتبرونه غطاء لتكريس سلطة رجل تجاوز العقد الثامن من العمر، ويسعى لضمان الخروج الآمن من الحكم بشروطه الخاصة، وربما تأمين انتقال سياسي مضبوط.
مشهد انتخابي بلا خصوم..
الانتخابات التي يتحدث عنها واتارا بوصفها مناسبة لـ"تجديد الديمقراطية"، تجري في غياب أبرز الشخصيات التي يمكن أن تمثل تحديا حقيقيا له في صناديق الاقتراع.
فالرئيس الأسبق لوران غباغبو حرم من حقوقه السياسية رغم عودته من لاهاي وتبرئته من المحكمة الجنائية الدولية، والمعارض المعروف غيوم سورو لا يزال في المنفى بعد إصدار أحكام قضائية بحقه، أما شارل بلي غوديه، الحليف السابق لغباغبو، فلم يتمكن من استعادة حقوقه المدنية.
يضاف إلى ذلك إعلان اللجنة الانتخابية مؤخرا إسقاط ترشح الوزير السابق تيجان تيام، وهو ما أثار انتقادات من منظمات محلية ودولية بشأن مصداقية العملية الانتخابية.
ترشح داخل أزمة إقليمية
يأتي ترشح واتارا في ظل وضع إقليمي مضطرب، تتصاعد فيه التهديدات الأمنية مع تنامي الحضور الجهادي في منطقة الساحل وخليج غينيا، فبوركينا فاسو ومالي والنيجر تعيش تحولات عسكرية وانقلابات، وهو ما زاد التوتر بين المحور المدني والأنظمة العسكرية في غرب إفريقيا.
في هذا السياق تحديدا، يسوق واتارا نفسه باعتباره الضامن للاستقرار، والمحصن لمصالح الشركاء الدوليين في بلد يعد مركزا اقتصاديا حيويا في المنطقة، وهو طرح يبدو بالنسبة للمراقبين موجها، نحو العواصم الغربية التي يهمها احتواء الفوضى أكثر من تداول سلس للسلطة.
ويرى مراقبون أن قرار واتارا الترشح مجددا يفرغ الاستحقاق الانتخابي من مضمونه التعددي، ما دامت أدوات الدولة والقانون تستخدم لتصفية الساحة من الخصوم الفعليين، وتقديم المشهد على أنه خيار بين "الاستمرارية والاستقرار" أو "المجهول والفوضى".
في المقابل، يحذر نشطاء ومحللون من أن تغييب المعارضة الحقيقية قد لا ينتج سوى وهم استقرار قابل للانفجار، كما حصل سابقا في أزمة ما بعد انتخابات 2010، والتي شهدت أحد أكثر النزاعات دموية في تاريخ البلاد الحديث.
ترشح الحسن واتارا لولاية جديدة قد يسوق رسميا كاستجابة للضرورة الوطنية، كما أشار إلى ذلك في خطابه، لكنه في الواقع يمثل تكريسا لمنظومة السلطة القائمة منذ أكثر من عقد، وسط مشهد إقليمي يغذي منطق "الرجل القوي" ويضعف فرص التغيير الديمقراطي الحقيقي، ما يجعل الانتخابات المقبلة، تبدو – مرة أخرى – تمرينا على التزكية أكثر منها لحظة تنافس سياسي حقيقي.