التيار (نواكشوط) - يشهد المشهد الانتخابي في الكاميرون تحولات لافتة مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي المقرر في 12 أكتوبر 2025، إذ سجل رقم غير مسبوق في عدد المترشحين بلغ 82، في ظاهرة تطرح تساؤلات جدية حول طبيعة هذه التعددية، وحجمها، وأهدافها الحقيقية، لا سيما في ظل نظام سياسي يهيمن عليه الرئيس بول بيا منذ أكثر من أربعة عقود.
اللافت بالنسبة للمتابعين، في هذه الدورة الانتخابية هو تدفق أسماء مجهولة أو حديثة العهد بالسياسة على ساحة الترشيحات، بينهم فنانون وصحفيون وشباب بلا قواعد حزبية واضحة، في وقت تعاني فيه المعارضة التقليدية من الانقسام والضعف البنيوي، هذه الدينامية السطحية تخلق صورة انتخابية نابضة، لكنها في العمق قد تعكس حالة من التفكك والتشويش المتعمد على المشهد، بدل أن تكون دلالة على حيوية ديمقراطية.
يرى مراقبون أن هذه الكثافة في عدد المترشحين ليست سوى محاولة لإغراق العملية الانتخابية في فوضى رمزية، تمنح للنظام القائم فرصة الإيحاء بالتعددية والانفتاح، من دون أن تفضي بالضرورة إلى تناوب فعلي على السلطة، فالرئيس بول بيا، رغم تقدمه في السن وتراجع ظهوره العلني، لا يزال هو المركز الحقيقي للقرار، والمرشح الأوفر حظا في انتخابات يشكك كثيرون في نزاهتها.
من بين أبرز المترشحين الجدد، يظهر الفنان "بابيون" المعروف بشعبيته في أوساط الشباب، والذي أكد أن ترشحه هذه المرة جاد، بعد أن أُقصي قبل 20 عاما تحت ضغط إداري، كما برز اسم الصحفي روجيه شانتال تويل، الذي قرر الانتقال من مربع المراقبة الإعلامية إلى الفعل السياسي، مستندا إلى رصيده النقدي ضد النظام.
لكن الحضور الكبير للمستقلين (نحو 40 مرشحا من أصل 82) يثير تساؤلات حول مدى قدرتهم على تشكيل وزن سياسي حقيقي، فالكثير من هذه الترشيحات تبدو رمزية أو فردية، تفتقر إلى الدعم الشعبي أو الهيكلة التنظيمية، ما يعزز فرضية كونها مجرد "كومبارس انتخابي" في سيناريو محسوب بدقة.
الأدهى أن بعض الأحزاب السياسية العريقة، مثل الاتحاد الشعبي الكاميروني (UPC)، تقدمت بثلاثة مرشحين مختلفين، في خرق صريح للمنطق التنظيمي، بل حتى الحزب الحاكم (RDPC) سجل له مرشحان، وهو ما ينذر بانسحابات لاحقة قد تستخدم كوسيلة لترتيب المشهد وفق إرادة الممسكين الحقيقيين بخيوطه.
الهيئة الانتخابية (إيليكام)، التي يفترض أن تلعب دور الحكم النزيه، تواجه انتقادات متجددة بشأن حيادها واستقلالها، خصوصا بعد تجربة 2018 التي شابها جدل واسع حول نزاهة العملية وشفافية النتائج، فضلا عن اتهامات بتوظيف مؤسسات الدولة في صناعة مشهد انتخابي زائف.
وفي ظل هذه الفوضى المنظمة، تبدو حظوظ المعارض البارز موريس كامتو في خطر، بعد أن غير انتماءه الحزبي من أجل الترشح باسم "مانيديم"، وهو ما قد يستخدم ذريعة قانونية لإسقاط ملفه.
فالمخاوف من استبعاده تعزز القناعة بأن السلطة تتجه نحو إقصاء المنافسين الجديين عبر أدوات قانونية مفصلة على المقاس.
من الناحية الاستشرافية، يبدو أن النظام الكاميروني يسعى إلى إنتاج نموذج انتخابي شديد الفردانية، يقوم على تفتيت المعارضة وتشتيت الأصوات، مع الإبقاء على واجهة ديمقراطية شكلية تحمي مصالحه داخليا وتمنحه هامشا من الشرعية الخارجية، لا سيما في أعين الشركاء الدوليين الذين يطالبون بإصلاحات دون ضغط فعلي.
ويجمع عدد من المراقبين أن كثرة المترشحين، بدل أن تكون عنوانا لحيوية سياسية، فإنها تكشف عن أزمة ثقة، وتحول الانتخابات إلى ساحة تنافس استعراضي لا يغير من موازين القوى شيئا.
ومع غياب ضمانات حقيقية للحياد والنزاهة، قد تتحول هذه الانتخابات إلى محطة جديدة لإعادة إنتاج النظام، ولكن بديكور أكثر صخبا، وأقل فعالية.