حين تأتي الأقدار برئيس ما إلى الحكم، فإنها في الوقت نفسه تضع أمامه خريطة شائكة من المصالح المتقاطعة، والولاءات المتضاربة، ومراكز النفوذ التي لا ترى في الدولة سوى مزرعة خاصة.
ومواجهة مثل هذا الواقع المعقد لا يمكن أن ينجح فيها إلا من يمتلك مشروعاً سياسياً حقيقياً، ويحظى بحاضنة شعبية واسعة تتجاوز إطار وسطه التقليدي.
هذه الحاضنة الشعبية هي وحدها القادرة على حماية الرئيس، والدفاع عن شرعيته الدستورية، وتمكينه من إقالة الفاسدين وتقديمهم للعدالة بشفافية، وتنفيذ مشروعه السياسي، الثوري أو الإصلاحي.
فرئيس الجمهورية الذي يستند إلى الشرعية الشعبية لا يمكن لأي متنفذ أن يفرض عليه خياراته، ولا لأي رجل أعمال أو تكتل تجاري أن يبتزه بحصته من "كعكة" النفوذ مقابل الدعم.
لكن، في غياب هذه الشرعية، يتحول الرئيس إلى لعبة في يد شركاء الحكم والمصالح، يسيرونه كيف شاءوا، لأن آلية وصوله للسلطة تشوبها ألف شائبة، وسنده الشعبي هش أو معدوم.
في هذا السياق، تتجلى المفارقة الكبرى التي يعيشها المشهد الموريتاني اليوم: عجز الرئيس غزواني عن إقالة وزراء ومسؤولين فشلوا في أداء مهامهم، وأهدروا ثقة الشعب عبر سوء التسيير ورداءة الخدمات، من العطش المزمن، إلى انقطاع الكهرباء، إلى تدهور التعليم والصحة.
لماذا لا يُستبدَل هؤلاء بكفاءات وطنية نزيهة من عامة الشعب، ممن يمتلكون الخبرة والقدرة على الإنجاز؟
لماذا تبقى التعيينات حبيسة دائرة "أبناء الطبقة المخملية" وأسر المسؤولين السابقين المتورطين في نهب المال العام؟
الأدهى أن الرئيس يرفع شعار الإصلاح، بينما يحيط نفسه بأكثر الشخصيات عداءً لهذا الإصلاح، من بقايا أنظمة سابقة كرست الفساد وأحبطت أي مشروع وطني حقيقي.
اليوم، ومع إكمال الرئيس عامه الأول في مأموريته الثانية، تبدو عقارب الساعة السياسية أسرع من المتوقع. فإما أن يتدارك الأمر ويستعيد زمام المبادرة، أو أن يستمر في الحكم بأعين الآخرين وبعقولهم وسياساتهم الفاشلة، حتى تنتهي مأموريته من دون أن يترك أثراً حقيقياً.
السؤال الذي يفرض نفسه في النهاية: من المستفيد من إبعاد الرئيس عن مباشرة شؤون الحكم؟ ومن يحكم بمن في موريتانيا؟
بين القصر والشعب: من يحكم بمن؟

سيدي الطيب ولد المجتبى / ناشط سياسي